فضاء حر

الطريق الى الديمقراطية

يمنات

لم تختلف السلطة المركزية في مقوماتها في ماضي الدولة المصرية منذ الالاف السنين عن الحاضر من امتلاك النفوذ والقوة، ولم يكن هذا التصور غائباً عن مؤسس الدولة المصرية الحديثة محمد علي باشا الذي بدأت تجربته سنة 1805م، باختيار النخبة المجتمعية له، ثم انقلابه عليهم لينفرد بتأسيس الدعائم الواقعية لنفوذه وقوته، ليكون حاكما شرعياً على القطر المصري، ثم بعد ذلك ضم ما جاورها من أرض في بلاد الشام والسودان، واستمر نهجه فمنن تكريس مركزية السلطة في أشكال مختلفة من الهيمنة على الثروة وتكريس النفوذ ببناء جيش مصري والاهتمام بكل السبل التي ترفع من شأنه لدعم مركزيته وهيمنته.

ونجح في أن يرسي دعائمها أثناء فترة حكمه التي امتدت حتى سنة 1848م، ثم ظهرت تأثيراتها بعد ذلك في فترة حكم أفراد أسرته التي انتهت بقيام ثورة يوليو 1952م.

وكمنت قيمة هذه التجربة في أنها استطاعت ان تخلق سلطة سياسية مركزية تتمحور عليها أسس الحكم داخل القطر المصري وما استلزم ذلك من صدور تشريعات وقوانين تعمل داخل دولاب العمل الحكومي في المؤسسات الجديدة المستحدثة سواء في الجيش او في النظام القضائي أو حتى النظام التشريعي الذي بدأ بمجلس النواب في عام 1866 وما تبعها من إنشاء دساتير كانت تعبر بشكل ما عن السلطة المركزية للدولة.

وبالتالي فأن غياب المؤسساتية وحكم القانون وقيم الديمقراطية ليستطيع أن يسير عجلة الحكم ويخلق الشرعية لنفسه.

وهذا ما كان يعمل عليه بنفس المنطق فنظروا النظام السابق في مصدر مستندين الى الخلفية التاريخية التي تؤكد على أنه على مدار المائتين سنة الماضية إن السلطة المركزية وبمعنى اوضح أن سلطة الدولة كانت لها الهيمنة على باقي السلطات الاخرى بما فيها القوة السياسية.

وبالتالي يمكن تسخير هذه السلطة في خدمة اغراض غير مشروعة مثل الاستبداد وديكتاتورية الحاكم, وهذا ما يحصل الأن في عهد مرسي، فما زال المشهد كما هو فالعبرة ليست في كونهم جاءوا عن طريق صندوق الانتخاب وإنما في عملية تحييد مؤسسات الدولة بعيداً عن نخبة الحكم ولا تكون تابعة لهم بل يعملون في إطارها دون إخضاعها لسلطة الفرد او التنظيم كما كان في السابق.

 

وهذا الاختيار الحقيقي الذي يحدد مؤشرات نجاح الثورة، فهل تستمر الثورة في نجاحاتها بكسرها هذا الاحتكار التاريخي للسلطة السياسية والذي شهد محطات خروج عنها وفقاً للآتي:-

اولاً:- شهد تطور السلطة السياسية في مصر عبر المائتين سنة الماضية حالات خروج عن هيمنة الدكتاتور فالشرعية على سبيل المثال خرجت عن طوع الملك وذهبت إلى حزب الأغلبية المعارض الممثل في الوفد في الفترة من 1924-1952 وبروز الوفد كحزب معارض يتناوب على الحكم مع أحزاب أخرى، لم يكن الا نتيجته للصحوة المجتمعية والنهضوية التي احدثتها ثورة 1919م وهو ما هب في صالح كيان قوة الدولة المصرية كمجتمع ومؤسسات، وهذه الفترة مازالت هي الأبرز في القدرة على تحييد هذه المؤسسات عن السلطة السياسية بقدر ما.

فالطريق لوضع دستور جديد يكون امامه تحدين الأول يتمثل في كيفية التغلب على الفصل ما بين الحاكم والدولة بمؤسساتها بشكل مخالف لما هو متبع ومتجسد في نظام الحكم في مصر على مدار المائتين سنة الماضية، والتي كان فيها الفرد هو الدستور والقانون والمؤسسات.

ثانيا: التحدي الثاني يتعلق بالقوى السياسية بأن يضمن الدستور الجديد المبادئ والإطار الذي يعلى من قيم الدولة كمؤسسات وكيان عام عن ايدلوجية هذه القوى مهما كانت اغلبيتها في المجالس النيابية، والتي يحكم طبيعتها متغيرات الانتخابات.

وبالتالي حالة المنافسة فيما بينها على الحكم تكون من خلال هذا الإطار العام لشكل الدولة وليس وفقاً لايدلوجية سياسية أو دينية قد تنعكس في شكل كتابة الدستور.

 

لذلك يجب التميز بين الفرد الحاكم او نخبة الحكم والمجتمع بمؤسساته فالدولة ليست هي الحاكم الفرد ومن ثم ليس توجيه نقد للفرد الحاكم أنه يكون موجه للدولة المصرية بمؤسساتها وتراثها السياسي في الحكم فالدولة هي المؤسسات المختلفة بميدانها الثقافي وتقاليدها التي رسختها على مدار الخبرات السابقة.

والمفترض فيها أن تكون متسمة بالاستمرارية مع التطور على عكس الحكام الذين يجب أن يأتوا ويذهبوا دون ان يحدثوا التوقف في استمرارية هذه الصيرورة المؤسساتية والمجتمعية.

زر الذهاب إلى الأعلى